(١)
الله تعالى هو الظاهر وهو الباطن، ومن حكمته أن جعل الكون الظاهر دليلا على المعاني الباطنة، وهنا يأتي دور التفكر، فهو ينتقل بالقلب والعقل من المعاني الظاهرة إلى المعاني الباطنة، وبالتالي من الكون إلى المكون، فالظاهر هو مرآة الباطن. قيل لأم الدرداء: ما كان أكثر عمل ابي الدرداء؟ قالت: "التفكر". قالت: نظر يوما إلى ثورين يخدّان في الأرض مستقلين بعملهما إذ عَنَتَ أحدهما فقام الآخر، فقال ابو الدرداء: "في هذا تفكر، استقلا بعملهما، واجتمعا فلما عنت أحدهما قام الآخر. كذلك المتعاونان على ذكر الله عز وجل."
من تفكر فيما حوله من الدنيا وجد في كل نظرة عبرة تدله على الله. قال ابن عطاء الله:(الأكوان ظاهرها غرة، وباطنها عبرة، فالنفس تنظر الى ظاهر غرتها، والقلب ينظر إلى باطن عبرتها) فلا تهمل النظر ببصيرتك.
البصر لا يرى إلا الكون (الظاهر) والبصيرة لا ترى إلا المكوّن. فإذا أراد الله فتح بصيرة العبد أشغله في الظاهر بخدمته تعالى، وفي الباطن بمحبته، حتى يغلب نور البصيرة عنده على البصر، وتغلب الروح فيه على المادة. وإذا أراد خذلان عبد شغله في الظاهر بخدمة الأكوان (المادة)، وفي الباطن بمحبتها، فلا يزال كذلك حتى ينطمس نور بصيرته، ويستولي عليه الحس حتى لا يرى ولا يخدم إلا الحس...ألا فاعلم أن الدنيا كنهر طالوت لا ينجو منها إلا من لم يشرب، أو إذا أراد أن يأخذ اغترف غرفة بيده، لا ينجو من شرب على قدر عطشه!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق