مقالة للأخت أم المثنى
فيما يلي رسالة أرسلتها لاحدى الأخوات التي استشارتني في موضوع زواجها اذ كانت مترددة بخصوص صفة ما تتعلق بالخاطب، فأحببت ان أفيدها بشئ من خبرتي وخبرات غيري فيما يتعلق بالعلاقة الزوجية.. فيما يلي الرسالة التي بعثتها لها:
تقدم كل فتاة على الزواج، وقد رسمت في ذهنها صورة خيالية جدا لفتى الأحلام الذي ستقترن به، وكذلك صورة مثالية جدا لطبيعة العلاقة التي ستجمع بينهما مستقبلا. وفي أغلب الأحيان تصدم لكونها تعيش واقعا يختلف ربما بصورة كبيرة عما حلمت به، فلا الشريك يتمتع بالصفات الطيبة التي تمنتها، ولا هي عاشت العلاقة الرومانسية التي طمحت لها! وكثيرا ما يؤدي هذا التفاوت غير المتوقع الى مشاكل عديدة قد تنتهي في أحيان كثيرة بالطلاق، وفي أحيان أخرى الى شبه انفصال نفسي في داخل بيت الزوجية، وكلاهما له مردوده النفسي السيئ على صاحبه وعلى المجتمع.
لاشك أن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان استشاريا نفسيا من الطراز الأول حين لفت انتباه الصحابي الذي أراد طلاق زوجته لأنه لا يحبها لحقيقة مهمة عندما قال له:"ثكلتك أمك وأي البيوتات قامت على الحب؟! " لقد أدرك عمر بنافذ بصيرته، وأصالة خبرته في الناس والحياة، أن العلاقة الزوجية تكون وهجا قويا في بدايتها فقط، ثم تخبو نار تلك الجذوة مع مرور الأيام لتصبح في النهاية علاقة ألفة هادئة، أما علاقات العشق والهيام، فهي من الندرة بحيث أن التاريخ سجلها لنا، ولو كانت هي الأصل وهي الظاهرة الأكثر انتشارا لما حفل بتسجيلها لنا، بل ان بعض المحلليين الاجتماعيين ذكروا على سبيل المزاح أنه لو كان قد تم زواج روميو بجولييت، أوجميل من بثينة، أوغيرهما من العشاق لهمدت جذوة الحب بينهما بعد الزواج،وفترت، ولما ذكرهما التاريخ ضمن موكب العشاق!
اذن الواقع من حولنا يشهد على أن هذه العلاقة المثالية التي تنشدها كل فتاة شبه معدومة تقريبا، وأنا شخصيا لم ألتق في حياتي كلها بأزواج ربطت بينهما علاقة حب قوية طيلة فترة زواجهما إلا في ثلاث حالات فقط، والغريب في الأمر أن في كل حالة من الحالات الثلاث يتوفى أحد الطرفين في شبابه تاركا الآخر يكمل مسيرة الحياة وحده، عائشا على ذكراه مع الحبيب الذي رحل!
لا نذيع سرا حين نشير للخطأ الذي يقع فيه أغلب الازواج حين يظنون أن سعادتهم الزوجية تعتمد على ما يتميز به الطرف الآخر من صفات طيبة، فالحقيقة أنها تعتمد بالدرجة الاولى على مدى تقبلهم هم لعيوب الطرف الآخر..يخطئ كل من الزوج والزوجة حين يمسك كلاهما بمعول منذ بداية الزواج ويحاول جاهدا تهذيب، وتعديل شخصية الطرف الآخر وفقا للصورة التي في ذهنه.. الصورة التي حلم بها، ولن يكون بمقدوره نيلها! وقديما قيل: "ان قيل لك أن الجبل قد تحرك من مكانه فصدّق، وان قيل ان فلان قد غير طبعه فلا تصدق!"، ولا يعني ذلك عدم التناصح بين الزوجين، فالتناصح الإيجابي البنّاء مطلوب في كل علاقة، والمؤمن مرآة أخيه، ولكنه يكون بضوابطه التي لا تثير حفيظة الطرف الآخر، وشتان ما بين النصح المتزن، الذي يقع في وقته المناسب، وبين عملية الإلحاح المقيتة، والضغط المتواصل الذي يمارسه عادة أحد الزوجين على الطرف الآخر كي ينسلخ عن طبيعته التي جبله الله تعالى عليها، وكأنه يطلب منه أن ينسلخ عن جلده! إذن بدلا من أن نطلب من الطرف الآخر أن ينسلخ عن طبيعته علينا ان نتعلم كيف نتقبلها، ونتعايش معها، وقد قال الحسن البصري رحمه الله تعالى:" تسعة أعشار الراحة في التغافل" وقال الامام بهاء الدين النقشبند:" من نظر الى عيب الصاحب، بقي بلا صاحب".
ثم اذا كانت كل فتاة لا ترغب الا بالزواج من الرجل الوسيم، ذي الشخصية القوية الآسرة، واذا كان كل رجل لا يرغب الا بالزواج من امرأة جميلة، وذكية، وذات شخصية جذابة، فمن يتزوج أولئك غير المرغوب فيهم؟؟ هلا تساءلنا ماذا سيحدث للكون لو تزوج كل الجميلون من الجميلات، والقياديون من القياديات، والأذكياء من الذكيات، و..الخ! من فضل الله تعالى ونعمه أن هذا الفهم القاصر والأناني من قبلنا ليس هو السائد في الكون، والا لإختلت احدى سننه المهمة، فنحن بذلك نوقف عملية التهجين التي يحتاجها النسل البشري باستمرار في الصفات الخَلقية- بفتح الخاء- والخُلقية- بضمها- فزواج قوي الشخصية من قوية مثله دوما، يعني بالمقابل زواج ضعيف الشخصية من ضعيفة مثله، وزواج كل وسيم من جميلة، يعني بالمقابل زواج كل دميم من دميمة، أو غير ذلك من الصفات السلبية، ومن ثم سينتج عن تلك الزيجات دزينة من الاولاد بنفس الدمامة وبنفس الضعف، وربما أسوأ، وهذا ما تشير اليه نظرية مندل في علم الوراثة، بل يصل الامر في بعض الزيجات الشديدة الضعف لحد الاعاقة الذهنية او الجسدية لبعض الأبناء. لو تأملنا في زيجات عديدة من حولنا لتبينا صدق ما ذكرناه آنفا، سواء من حيث صفة القوة أو الضعف التي ورثها الابناء من الآباء وهذا بالضبط ما حذرت منه نظرية التوافق الزوجي التي شرحها الدكتور ديفيد كيرسي أحد موسسي علم انماط الشخصيات، فمن طبيعة المرء أن يعجب بمن هو على شاكلته، فالطيور على أشكالها تقع، لكن د. كيرسي يقرر أن تلك النظرية تصح في الصداقات لا في الزواج فيقول:" صاحب الصديق الذي يماثلك في صفاتك، لكن الافضل ان تقترن بمن هو على النقيض من صفاتك"! فعلى سبيل المثال بقدر ما يعجب القيادي بقيادي مثله، ويحرص على صداقته، بقدر ما يسأم وجود شخص مثله في بيته ينازعه في قراراته، وسلطاته! وكما يقول المثل الشعبي:"نوخذاوين طبعوا مركب" هل يعني ذلك ان زواج المتماثلين في الشخصية فاشل حتما؟ ليس بالضرورة، لكنه يحتاج الى الكثير جدا من الصبر والحكمة، والتنازل للطرف الآخر كي يسير مركب الزوجية بأمان،ويصل لمرفئه سالما، وهذا غالبا ما تأباه النفس النزاعة للجاه، والرياسة، والكبر، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فقد جرت سنة الله تعالى في كونه أنه من النادر ان يقترن كل فرد بمن يماثله كما بينا، كما أنه غالبا في كل علاقة يكون انجذاب احد الطرفين اقوى من انجذاب وتعلق الطرف الأخر. لمزيد من الايضاح فإن التماثل غيرالمطلوب الذي أشرنا اليه هو الذي يكون في الطباع وليس في درجة الصلاح.
وأخيرا وليس آخر جدير بنا ان نتذكر دوما أن المرء لا ينال كل ما يبغيه، وينشده في هذه الحياة، اذ جرت سنة الله تعالى ان يعطينا شيئا، ويحرمنا آخر في الوقت ذاته، وكما يقول المثل الشعبي:" ربك ياخذ ويعطي"، وهو يفعل ذلك ليختبرنا ويرى مدى رضاءنا بقضائه، كما أن لكل شئ حكمة
لاشك أن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان استشاريا نفسيا من الطراز الأول حين لفت انتباه الصحابي الذي أراد طلاق زوجته لأنه لا يحبها لحقيقة مهمة عندما قال له:"ثكلتك أمك وأي البيوتات قامت على الحب؟! " لقد أدرك عمر بنافذ بصيرته، وأصالة خبرته في الناس والحياة، أن العلاقة الزوجية تكون وهجا قويا في بدايتها فقط، ثم تخبو نار تلك الجذوة مع مرور الأيام لتصبح في النهاية علاقة ألفة هادئة، أما علاقات العشق والهيام، فهي من الندرة بحيث أن التاريخ سجلها لنا، ولو كانت هي الأصل وهي الظاهرة الأكثر انتشارا لما حفل بتسجيلها لنا، بل ان بعض المحلليين الاجتماعيين ذكروا على سبيل المزاح أنه لو كان قد تم زواج روميو بجولييت، أوجميل من بثينة، أوغيرهما من العشاق لهمدت جذوة الحب بينهما بعد الزواج،وفترت، ولما ذكرهما التاريخ ضمن موكب العشاق!
اذن الواقع من حولنا يشهد على أن هذه العلاقة المثالية التي تنشدها كل فتاة شبه معدومة تقريبا، وأنا شخصيا لم ألتق في حياتي كلها بأزواج ربطت بينهما علاقة حب قوية طيلة فترة زواجهما إلا في ثلاث حالات فقط، والغريب في الأمر أن في كل حالة من الحالات الثلاث يتوفى أحد الطرفين في شبابه تاركا الآخر يكمل مسيرة الحياة وحده، عائشا على ذكراه مع الحبيب الذي رحل!
لا نذيع سرا حين نشير للخطأ الذي يقع فيه أغلب الازواج حين يظنون أن سعادتهم الزوجية تعتمد على ما يتميز به الطرف الآخر من صفات طيبة، فالحقيقة أنها تعتمد بالدرجة الاولى على مدى تقبلهم هم لعيوب الطرف الآخر..يخطئ كل من الزوج والزوجة حين يمسك كلاهما بمعول منذ بداية الزواج ويحاول جاهدا تهذيب، وتعديل شخصية الطرف الآخر وفقا للصورة التي في ذهنه.. الصورة التي حلم بها، ولن يكون بمقدوره نيلها! وقديما قيل: "ان قيل لك أن الجبل قد تحرك من مكانه فصدّق، وان قيل ان فلان قد غير طبعه فلا تصدق!"، ولا يعني ذلك عدم التناصح بين الزوجين، فالتناصح الإيجابي البنّاء مطلوب في كل علاقة، والمؤمن مرآة أخيه، ولكنه يكون بضوابطه التي لا تثير حفيظة الطرف الآخر، وشتان ما بين النصح المتزن، الذي يقع في وقته المناسب، وبين عملية الإلحاح المقيتة، والضغط المتواصل الذي يمارسه عادة أحد الزوجين على الطرف الآخر كي ينسلخ عن طبيعته التي جبله الله تعالى عليها، وكأنه يطلب منه أن ينسلخ عن جلده! إذن بدلا من أن نطلب من الطرف الآخر أن ينسلخ عن طبيعته علينا ان نتعلم كيف نتقبلها، ونتعايش معها، وقد قال الحسن البصري رحمه الله تعالى:" تسعة أعشار الراحة في التغافل" وقال الامام بهاء الدين النقشبند:" من نظر الى عيب الصاحب، بقي بلا صاحب".
ثم اذا كانت كل فتاة لا ترغب الا بالزواج من الرجل الوسيم، ذي الشخصية القوية الآسرة، واذا كان كل رجل لا يرغب الا بالزواج من امرأة جميلة، وذكية، وذات شخصية جذابة، فمن يتزوج أولئك غير المرغوب فيهم؟؟ هلا تساءلنا ماذا سيحدث للكون لو تزوج كل الجميلون من الجميلات، والقياديون من القياديات، والأذكياء من الذكيات، و..الخ! من فضل الله تعالى ونعمه أن هذا الفهم القاصر والأناني من قبلنا ليس هو السائد في الكون، والا لإختلت احدى سننه المهمة، فنحن بذلك نوقف عملية التهجين التي يحتاجها النسل البشري باستمرار في الصفات الخَلقية- بفتح الخاء- والخُلقية- بضمها- فزواج قوي الشخصية من قوية مثله دوما، يعني بالمقابل زواج ضعيف الشخصية من ضعيفة مثله، وزواج كل وسيم من جميلة، يعني بالمقابل زواج كل دميم من دميمة، أو غير ذلك من الصفات السلبية، ومن ثم سينتج عن تلك الزيجات دزينة من الاولاد بنفس الدمامة وبنفس الضعف، وربما أسوأ، وهذا ما تشير اليه نظرية مندل في علم الوراثة، بل يصل الامر في بعض الزيجات الشديدة الضعف لحد الاعاقة الذهنية او الجسدية لبعض الأبناء. لو تأملنا في زيجات عديدة من حولنا لتبينا صدق ما ذكرناه آنفا، سواء من حيث صفة القوة أو الضعف التي ورثها الابناء من الآباء وهذا بالضبط ما حذرت منه نظرية التوافق الزوجي التي شرحها الدكتور ديفيد كيرسي أحد موسسي علم انماط الشخصيات، فمن طبيعة المرء أن يعجب بمن هو على شاكلته، فالطيور على أشكالها تقع، لكن د. كيرسي يقرر أن تلك النظرية تصح في الصداقات لا في الزواج فيقول:" صاحب الصديق الذي يماثلك في صفاتك، لكن الافضل ان تقترن بمن هو على النقيض من صفاتك"! فعلى سبيل المثال بقدر ما يعجب القيادي بقيادي مثله، ويحرص على صداقته، بقدر ما يسأم وجود شخص مثله في بيته ينازعه في قراراته، وسلطاته! وكما يقول المثل الشعبي:"نوخذاوين طبعوا مركب" هل يعني ذلك ان زواج المتماثلين في الشخصية فاشل حتما؟ ليس بالضرورة، لكنه يحتاج الى الكثير جدا من الصبر والحكمة، والتنازل للطرف الآخر كي يسير مركب الزوجية بأمان،ويصل لمرفئه سالما، وهذا غالبا ما تأباه النفس النزاعة للجاه، والرياسة، والكبر، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فقد جرت سنة الله تعالى في كونه أنه من النادر ان يقترن كل فرد بمن يماثله كما بينا، كما أنه غالبا في كل علاقة يكون انجذاب احد الطرفين اقوى من انجذاب وتعلق الطرف الأخر. لمزيد من الايضاح فإن التماثل غيرالمطلوب الذي أشرنا اليه هو الذي يكون في الطباع وليس في درجة الصلاح.
وأخيرا وليس آخر جدير بنا ان نتذكر دوما أن المرء لا ينال كل ما يبغيه، وينشده في هذه الحياة، اذ جرت سنة الله تعالى ان يعطينا شيئا، ويحرمنا آخر في الوقت ذاته، وكما يقول المثل الشعبي:" ربك ياخذ ويعطي"، وهو يفعل ذلك ليختبرنا ويرى مدى رضاءنا بقضائه، كما أن لكل شئ حكمة
(والله يعلم وانتم لا تعلمون).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق