كلنا يبحث عن السعادة ويطلبها ، إلا أن كثير منا لا يعرف حقيقة الذي يطلبه !
هناك إشكال واضح بين مفهوم "السعادة" و"المتعة" .
ما هي المتعة؟ هي تجربة ممتعة وخاصة (أو فردية) ... قد تكون قطعة كعكة
مغطاة بالسكر والشو كولا ، شهوة جنسية ، الاستغراق في فيلم مشوق الخ...
والمتعة البحتة ، مع كونها أمر جميل جدًا إلا أنها في الغالب سطحية
وسريعة الزوال .
أما السعادة فهي :
تحقيق تقدم ثابت موزون وملاحظ في إنجاز الأهداف بعيدة المدى والتي تكون
جزءًا من خطتي لحياتي .
إذًا المتعة عبارة عن "حدث " ، أما السعادة فهي" إجراء يُتخذ" .
المتعة هي "النتيجة النهائية" ، أما السعادة فهي "الرحلة" ذاتها .
المتعة "مادية" ، والسعادة " معنوية" .
المتعة غالبا ما تتعلق بالذات ، والسعادة غالبا ما تتعلق بالغير.
مزيد من التعمق في مفهوم المتعة:
المعين الأساسي للمتعة ، أو ما قد يسمى الرغبة في الإشباع الفوري ،هو
الحرية الدائمة والغير مسئولة . إن سوء استخدام الحرية مساوٍ لفقدانها
تماماً. كثير من الناس يظن أن الحرية يجب أن تكون في كل شيء وفي كل وقت ،
وكثير منهم يطلب بها كذلك . لو كانت الحرية حقًا كذلك لما أمكن الناس
السير على الشوارع دون حوادث! لا بد من توازن الحرية مع الاحترام للغير .
ولا بد من الإدراك بأنه بالنسبة لنا ولمن حولنا فإن أعمالنا تمثلنا .وأن
الحرية بلا عقل ولا قيود ثمنها باهض جدًا .
يقول المجاهد المسلم محمد علي الغتيت :
(( إن الشعوب التي لا تبصر بعيونها سوف تحتاج إلى هذه العيون لتبكي طويلا))
ويقول الأديب الشاعر أبوالفتح البستي في قصيدته "عنوان الحكم "
من كان للعقل سلطان عليه غدا وما على نفسه للحرص سلطان ُ
من مد طرفًا لفرط الجهل نحو هوىً أغضى على الحق يومًا وهو خزيانُ
إن الحرية الحقيقية للإنسان هي امتلاك القدرة على الاختيار بين الخير
والشر . إن حريتنا تكون في تحررنا من قيود النفس بنزواتها وإغراءاتها ،
في تغلبنا على رغبة الإشباع الفوري ، والأنانية والجشع إلخ.وهذه الحرية
في الاختيار هي الثي تشكل لنا التحد الدائم 00هي محل" الفتنة " .
وللحرية فترات حرجة تكون الفتنة فيها في أوجها ، ينبغي للإنسان أن يتمالك
نفسه فيها ، وفيها يظهر معدن الشخصية الحقيقي . وهذه الفترات قد يطلق
عليها لحظات الضعف في النفس مع القدرة في العمل (أو ما يسمى الحرية) مثل
، أول فترة الزواج للبنت ، أو السفر للشباب ، أو فترة الانتقال والتحول
إلى الرجولة أو الرشد . فهي أكثر فترة تكون فيها محاولات التحرر من
القيود ( قيود الآباء، العائلة، الدين والمجتمع) يتصور أحدهم أنه بإمكانه
أن يضع قيمه في حالة تجميد أ و إيقاف مؤقت إلى أن تشبع الرغبات وتجرب
الخيالات ثم بإمكانه أن يحي قيمه في وقت لاحق! من ذلك ما يقوله امرؤ
القيس (اليوم خمر وغدًا أمر!).
لا بد أن نعلم أن القواعد والقيم هي للمساعدة على بناء الشخصية ، بمعنى
التعامل بشجاعة مع لحظات الضعف والتي تمني بمتعة قريبة ، إلا أنها بنفس
الوقت تنذر بعواقب وخيمة .
إن القيم ليس لها من القوة إلا ما تعطيها أنت من خلال التزامك بها
واحترامك لنفسك وقوة إرادتك. فالقيم بدون الإغراءات ما هي إلا أفكار
نبيلة ، والعمل بها في أصعب الظروف هو الذي يكسبك ويكسبها التمييز . وهذا
يحتاج إلى جرأة وشجاعة ،إلى تضحية وعناء ، مع اليقين بأن ميزان إنسانيتك
هو مقدار احترامك لقيمك.
ويبين الرسول صلّى الله عليه وسلّم أهمية ذلك في قوله((إنما الصبر عند
الصدمة الأولى)).
يقول أبو الفتح البستي :
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق