نظرا لانشغالي بأولويات حياتي، ورغبتي في التفرغ للأهم منها، فإني أعتذر عن الاستمرار في الكتابة في المدونة، شاكرة كل من ساهم وشارك وقرأ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الثلاثاء

توظيف الشر لجلب الخير

أخوتي أخواتي القرّاء:
في ظل الظروف الراهنة - نسأل الله تعالى تعجيل الفرج لأخواتنا- أحببت أن أشارك بكلمات جميلة أعجبتني للشيخ محمد راتب النابلسي وهو يشرح اسم الله تعالى "المليك":

 مِن لوازم المليك أن كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع :

 

لكن الآن نحتاج إلى حقيقة خطيرة كي ينسجم الإيمان مع ما يحدث ، كي ينسجم الإيمان بأن الله مليك يملك كل شيء مع ما يحدث ، هناك مقولة رائعة : كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، لأنه لا يليق بمقام الألوهية أن يقع في ملكه ما لا يريد ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، بل لكل واقع حكمة ، ولو كان الموقِع مجرماً ، هذا الإيمان ، لكل واقع حكمة ، ولو كان الموقع مجرماً ، ما دام قد سمح الله بوقوعه فلابد من حكمة ، عرفها مَن عرفها ، وجهلها مَن جهلها .

 

ليس هناك شرٌّ مطلَق في الكون :

 لذلك الشر المطلق لا وجود له في الكون ، اطمئنوا ، الشر من أجل الشر ، لا وجود له في الكون ، هناك شر نسبي موظف للخير المطلق ، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله ، إما أن تؤمن بوجود إله عظيم حكيم عليم رحيم ، فعال لما يريد ، أو بشر مطلق ، والله عز وجل يوظف شر الإنسان للخير المطلق .

كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .

إذاً : الآن النتيجة ، كل شيء وقع مع أنه على الشبكية نتوهم أن فلانا وقّع هذا القرار ، وفلانا غزا هذه البلاد ، وفلانا اتخذ قراراً بإعلان الحرب ، كنتيجة توحيدية كل شيء وقع وقع ضمن خطة الله ، بل إن خطة الله استوعبت خطة القوي الظالم .

مرة سألوا تيمور لنك : من أنت ؟ سبحانك يا رب ! أجاب إجابة رائعة ، قال : أنا غضب الرب ، فحينما يغضب الإنسان قد يضرب ، وقد يكسر ، وقد يصيح ، وقد يشتم ، فإذا غضب الله عز وجل يبعث تيمور لنك ، سُئل : من أنت ؟ قال : غضب الرب ، الدليل     القرآني :

 

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾

( سورة القصص )

الآن توظيف الشر النسبي من الطغاة والظلام للخير المطلق .

 

﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

( سورة القصص )

هذه سياسة الله ، وأسأل الله أن تكون هذه الهجمة الشرسة على غزة من هذا القبيل، حيث يريد الله أن يمن على أهلها الأباة :

﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ

 

إخوتنا الكرام ، ابتلي المسلمون برجل بطاش في العصور السابقة ، فجاء نفر من علية القوم إلى الإمام الحسن البصري ، والإمام الحسن البصري والله له كلمة تكتب بماء الذهب ، لما كان عند والي البصرة ، وجاء توجيه من يزيد إنْ نفذه أغضب الله ، وإن لم ينفذه أغضب يزيد فعزله ، قال له : ماذا أفعل ؟ فقال له الحسن البصري : " إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله " ، هذه مقولة تكتب بماء الذهب ، " إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله " ، فهذا النفر جاء إلى الحسن البصري يشكون له هذا الجبار القاسي العنيف ، ماذا ينبغي أن يفعل ، أو ماذا ينبغي أن يفعلوه معه ، فقال : " تعلمون رأيي فيه ؟ قالوا : لهذا أتيناك قال : لا تخرجوا عليه ، لأن ظلم القوي هي نقمة الرب ، وإن نقم الله عز وجل لا تدفع بالسيوف وحدها ، بل تدفع بالتوبة والإنابة أولاً ، ثم إعداد القوة ثانياً .

كما فعل صلاح الدين الأيوبي ، حينما أزال كل المنكرات ، وعلّم الأجيال العقيدة الصحيحة ، والاستقامة التامة ، وبعدها واجه الغرب ، فلابد من دولة وأوبة وعودة ، وإقبال وصلح مع الله أولاً ، ثم لا بد من إعداد العدة المتاحة ، والقوة المتاحة ، عندئذٍ يكون نصر الله عز وجل .

قال الحسن : " وإنها إن عولجت بالسيوف وحدها من دون إنابة إلى الله كانت الفتنة أقطع من السيوف " ، كما ترون فيما يجري حولنا .

أسأل الله تعالى اللطف بإخواننا في غزة، وأن يصرف عنهم عدوهم، وأن يؤمن خوفهم، وأن ينشر السلم والإسلام، والأمن والإيمان في ديار المسلمين، وأن يأخذ الظالمين بالظالمين، ويخرجنا من بينهم سالمين آمنين.. آمين.

 

والحمد لله رب العالمين

 

 

ليست هناك تعليقات: