نظرا لانشغالي بأولويات حياتي، ورغبتي في التفرغ للأهم منها، فإني أعتذر عن الاستمرار في الكتابة في المدونة، شاكرة كل من ساهم وشارك وقرأ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السبت

موانع تحجب القلب عن تدبر القرآن


{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }

أي أدخلناك في إيواءِ حفِظْنَا، وضربنا عليك سرادقاتِ عصمتنا، ومنعنا الأيدي الخاطئةَ عنك بلطفنا. وهذا التفسير يحمل على ما روى أنها نزلت في أبى سفيان والنضير وأبى جهل وأم جميل امرأة أبى لهب كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن فحجب الله أبصارهم إذا قرأ وكانوا يمرون به ولا يرونه.

 

قال ابن عجيبة

 

 اعلم أن القلب تحجبه عن تدبر كلام الله والتمتع بحلاوته أربعةُ حُجُب:

الأول: حجاب الكفر والشرك ويندفع بالإيمان والإسلام.
والثاني: حجاب المعاصي والذنوب، وينخرق بالتوبة والانقلاع.
والثالث: حجاب الانهماك في الحظوظ والشهوات واتباع الهوى، وينخرق بالزهد والورع والتعفف ونوع من الرياضة(الرياضة يعني التدريب).

والرابع: حجاب الغفلة والخوض فيما لا يعني، والاشتغال بالبطالة، وينخرق باليقظة والتوجه إلى الحق، والانقطاع إلى الله بكليته، فإذا انخرقت هذه الحجب عن القلب، تمتع بحلاوة القرآن ومناجاة الحق على نعت القرب والمراقبة.

 

وحجاب آخر قد يحذر منه الخواص من المؤمنين:

 

  حجاب حلاوة الطاعة والوقوف مع المقامات أو الكرامات، فإنها عند العارفين سموم قاتلة.(ومعنى ذلك أن الذي تذوق حلاوة الطاعة، أو لذة الكرامة والتأييد الرباني، وقف عنده، وصار يطلبه، وربما نسي أن المطلوب الأساسي وهو الله، وصار كأنه عبد الكرامة، أو اللذة التي يجنيها!! فتكون وبال عليه، وهذه عقبة من عقبات الطريق، وكل مستوى تختلف فتنته أو شهوته التي يختبره الله فيها)

 وقال الغزالي:

 الموانع التي تحجب القلب عن الفهم أربعة:

الأول: جعل الفهم مقصورًا على تحقيق الحروف؛ بإخراجها من مخارجها، فهذا يتولى حفظه شيطان وكُلِّ بالقراء، يصرفهم عن معاني كلام الله تعالى.

 

 والثاني: أن يكون مقلدًا لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه(ليس المقصود مذهب فقهي، وإنما مذهب فكري في فهم الآية)، من غير وصول إليه ببصيرة.

 

 الثالث: أن يكون مصرًا على ذنب، أو متصفًا بكبر، أو مبتلى بهوى في الدنيا مطاع، فإن ذلك سبب ظلمة القلب، وهو كالخبءِ( يعني الغبار والغبش) على المرآة، فيمنع جلية الحق فيه، وهو أعظم حجب القلب، وبه حُجب الأكثرون،

 

 الرابع: أن يكون قد قرأ تفسيرًا ظاهرًا، واعتقد أنه لا معنى لكلمات القرآن إلاَّ ما يتأوّل عن ابن عباس، ومجاهد وغيرهما، وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي منهي عنه، فهذا أيضًا من الحجب العظيمة، فإن القرآن بحرٌ لا ساحل له، وهو مبذول لمن يغرف منه إلى يوم القيامة، كل على قدر سعته وصفاء قلبه.


ليست هناك تعليقات: