نظرا لانشغالي بأولويات حياتي، ورغبتي في التفرغ للأهم منها، فإني أعتذر عن الاستمرار في الكتابة في المدونة، شاكرة كل من ساهم وشارك وقرأ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأحد

جعلناه غريبا بيننا

هذه مشاركة للأخت: سعاد الولايتي: أم المثنى، حفظها الله تعالى
          وقفة
جعلناه غريبا بيننا
       وجدت التوكل قد صار اليوم من أضعف العبادات القلبية بين الناس، فقد نملك مخزونا طيبا من الصبر والرضا والشكر وغيرها من العبادات القلبية في مواقف كثيرة نمر بها، أو أزمات عديدة نواجهها، الا التوكل فإنه الوحيد المظلوم بينها، نفتش عنه بين جنبات قلوبنا فلا نكاد نجده، مع ان اللسان يكابر ويصر على وجوده وتوفره على الدوام، ولعلنا نعذره في ذلك فهو يجهل كيفيته والصور الدالة عليه، ومن صعب عليه معرفة الأساس عجز عن تتبع الآثار!
     من أهم الأسباب الداعية لضعف تمسكنا بالتوكل اليوم جهلنا بكيفيته وأنك لا تكاد تجد من يعينك عليه، بعكس الصبر والرضا الذي يحثنا الآخرون عليهما غالبا، ولعل السبب الداعي لذلك هو ما ذكرناه آنفا، وهو جهل الكثير من الناس بماهية التوكل واكتفائهم بترديد اسمه على شفاهم فقط ، ويقابل ذلك اصرار عجيب في الاعتماد على الأسباب وكأنها غدت المحرك لهذا الكون..اصرار مغلف بالكثير من الغفلة، ولولا هذه الغفلة ما اعتمدنا على السبب بكل تلك القوة التي توقعنا في سوء الأدب مع الله عز وجل!
   ما هو التوكل؟ انه سكون القلب تحت مجاري الأقدار.. وله علامة مهمة وهي ألا تقلق.. لا تقلق في حال فقر ولا غنى، ولا في حال مرض او صحة، ولا في حال شباب او هرم.. ألا تقلق لأي شئ! هل يعني ذلك ألا نأخذ بالأسباب؟ بلى.. صوريا فقط مع الجزم القلبي ان الامر أولا وأخيرا لله عز وجل والاسباب انما هي شكليات أمرنا بها دون الاعتماد القلبي عليها، وبعد الأخذ الشكلي لها نفوض امرنا لله، ويكون اعتمادنا عليه وحده سبحانه، وهذا تدريب قلبي دقيق لا يسهل على كل أحد، فهي شعرة رقيقة لا يحسن القلب تمييزها في البداية ثم ترسخ مع مواصلة التدريب وجهاد النفس عليها، فالنفس تدعونا دوما للاعتماد على السبب بل ولعدم رؤية سواه، وهذا ما يوقع بعضنا في الجزم دون وعي منه وبسوء أدب ولا شك، فما دام قد اخذ بالسبب لابد وأن ينل النتيجة المحتومة لذلك.. أي انه يجزم على الخالق جل وعلا بتحقيق ذلك له! فما دمت قد ذاكرت جيدا للامتحان لابد وان أحصل على نتيجة عالية، وما دمت قد حرصت على تربية أولادي فلابد وأن أحصل على أبناء صالحين وهكذا ...صور عديدة من صور الجزم المذموم الذي نهينا عنه لكننا نقع فيه بغفلة منا أحيانا، وفي أحيان أخرى يدفعنا محيطنا له دفعا، فالكل من حولك يدفعك للاعتماد على السبب ولا يتيح لك الفرصة لتدريب نفسك على التوكل بل قد يستهجن منك ذلك، وهذا ما يدفعك في النهاية للدخول في دائرة النتائج التي هي ليست من اختصاصك بل هي لله عز وجل وهذا ما يجعلك تدور في دوامة مستمرة من القلق!
  قد يقول قائل:" وهل يعقل ان يتخلص الانسان من القلق نهائيا؟ سيكون في هذا الحال ملاكا وليس بشرا؟" والجواب نعم.. لن يتخلص من قلقه نهائيا، ولكن سيكون بمقدوره ان يخفف منه الى درجة كبيرة، فجزء من القلق مطلوب كي يدفعنا للتغيير للأفضل، لكن ليس هذا القلق الطاغي الشرس الذي بات ينخر في أعصابنا على الدوام لكل صغيرة وكبيرة من امور الحياة، فنحن نظن ان مشاكلنا لا تحل الا بتحركنا بالاسباب بينما الكثير منها يحل بالتوكل.. فقط لو فوضنا الامر لمسبب الاسباب ورضينا بالتسليم، أعننا الله واياكم على أن نكون من المفوضين.
سعاد الولايتي   

ليست هناك تعليقات: