نظرا لانشغالي بأولويات حياتي، ورغبتي في التفرغ للأهم منها، فإني أعتذر عن الاستمرار في الكتابة في المدونة، شاكرة كل من ساهم وشارك وقرأ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأحد

لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ

كنت أستمع لمحاضرة للدكتور راتب النابلسي وإذ به يروي حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مر على قوم مجتمعون على رجل يحدثم فسأل: من هذا؟ قالوا: هو نسّابة. فسأل صلى الله عليه وسلّم: ((وما نسّابة؟)) فقالوا له أنه الذي يعرف ويخبر بانساب العرب، فقال صلى الله عليه وسلم عن هذا العلم أنه:(( لا ينفع العلم به، ولا يضر الجهل به)).
هي حكمة، وقاعدة عامة لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم توجهنا في اختيارنا لما نقبل عليه من العلم.
 
ثم تأملت في الأوقات التي نقضيها في الشبكة، وتساءلت في نفسي: أيمكن أن ينطبق هذا الحديث على ما نقضي فيه يوميا من الساعات أمام شاشة الحاسوب؟ فإن اغلبنا للأسف لا يستثمر ميزة الشبكة في الازدياد من علم ينفع، أو في نشره، وإنما أغلب الوقت نمضيه إما في التصفح العام بلا هدف معين، مجرد إرضاء لفضول والاطلاع على آخر الأخبار أو الأزياء أو المنتجات، أو في قراءة المئات من الرسائل التي أقل ما يقال في وصفها أنها من قبيل ما لا ينفع العلم به ولا يضر الجهل به.
ثم يضاف عليه ما يتم تداوله بكثرة في الرسائل من أخبار زائفة وإشاعات محيرة، إما عن أمراض تسببها المطاعم الفلانية، أو سموم في المنتج الفلاني، الخ... معلومات اختلط فيها الصدق والكذب حتى فقدت الرسائل مصداقيتها كمصدر موثوق للمعلومة.
 
من نظر في نصوص الدين يجد انه يحثنا على عدم نقل المعلومة ما لم نتيقن من صحتها، منها:
 
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
 
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه رواه البخاري ومسلم.

هذا الحديث أدب من الآداب العظيمة، وهو صنو حديث: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه من جهة أنه أصل في الآداب العامة، وهذا الحديث دل على أن من صفات المؤمن بالله وباليوم الآخر، الذي يخاف الله ويتقيه، ويخاف ما يحصل له في اليوم الآخر، ويرجو أن يكون ناجيا في اليوم الآخر، أن من صفاته أنه يقول الخير أو يصمت.

 وقد قال -جل وعلا-: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ .

فهذا الحديث فيه: فليقل خيرا   إذن فقول الخير متعلق بالثلاثة التي في آية النساء قال: إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ فالصدقة واضحة والإصلاح أيضا واضح، والمعروف هو ما عرف حسنه في الشريعة، ويدخل في ذلك جميع الأمر بالواجبات والمستحبات، وجميع النهي عن المحرمات والمكروهات، وتعليم العلم والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. .. إلخ.

فإذن  ما خرج عن هذه فإنه ليس فيها خير، وقد تكون من المباحة، وقد تكون من المكروهة، وإذا كان كذلك فالاختيار أن يصمت.

لا شك أن الواحد منا في بداية تعرفه على الشبكة  يؤخذ بسحرها وبضخامة المعلومات المتوفرة وسهولة تناولها، ويصير كالطفل في محل الألعاب يتنقل من صفحة إلى صفحة، لا يدري أين يبدأ ولا ما يختار.. لكن بعد أن يأخذ الإعجاب الأولي وقته، وتهدأ النفس وتستقر من هول المفاجأة ينبغي أن يستعيد الإنسان اتزانه، ويأخذ خطوة للوراء يقيّم فيها الوضع في تعامله مع الشبكة عن بُعد:

ما الذي يريده منها؟ وما هي أولوياته؟ ما الذي يناسبه وما الذي ينفعه؟

ثم يبدأ باتخاذ بعض القرارات في تعامله مع هذه الخدمة، من صفحات أو رسائل، فيعلم أنه مسئول عما يقرأ، وما يرسل، وما يقضي وقته فيه، وأنه يملك الاختيار، وليس مجبرا على قراءة كل ما يرسل إليه... بل يستخدم زر [الحذف] كما يستخدم زر [الحفظ] !!!

اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدنا علما.

ليست هناك تعليقات: