نظرا لانشغالي بأولويات حياتي، ورغبتي في التفرغ للأهم منها، فإني أعتذر عن الاستمرار في الكتابة في المدونة، شاكرة كل من ساهم وشارك وقرأ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأحد

دروس من النقد

 كلنا يتعرض لنقد أو لصد أو ربما لتجاهل في حياته، ومنا من يتعرض له أكثر من غيره، وتختلف نوايا الناقد أو الصاد أو المتجاهل، كما تتفاوت في درجات القصد للأذى أو النفع.
لا شك أن النية إذا كانت طيبة فهذا يخفف من ألم الأمر، لكن في كل الأحوال هو مؤلم، وعلى أقلها يمكن أن يقال أنه "مزعج"
 
في نفس الوقت لا غنى عن النقد، لأن الخطأ والنقص في البشر وارد، بل هو أصل، فكلنا خطّاء، كما بين ذلك الحديث النبوي.
جلست اتأمل في الأمر فخطر لي خاطرين:
 
الأول: تذكرت في نفسي الجزء من الحديث النبوي الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (أخلِص العمل فإن الناقد بصير) فقلت في نفسي: بلى إن الناقد - وهو هنا رب العزة سبحانه وتعالى- بصير، ولكنه أيضا رحيم، ولطيف، وحكيم، وبقية صفاته تعالى الحسنى من صفات الجمال والكمال.
فالله تعالى - حتى في نقده- رحيم بعبده، لطيف في نقده، حكيم في اختياره له، فتأتي رسائله تعالى- أول ما تأتي- بشكل يتميز باللطف والرحمة، وهي كلها حكمة، بل من شدة لطف  تلك الرسائل كثيرا ما تمر علينا دون انتباه منا، ولا التفات، فيرسل الله تعالى لنا منها ما يشد انتباهنا أكثر وتكون الرسالة أقوى. ولا ارحم -بعد الله سبحانه وتعالى - ولا ألطف من رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث تجنب -ما أمكن- مباشرة النقد، فكان صلى الله عليه وسلّم يعرّض فيه فيقول: ما بال أقوام كذا وكذا؟
ونحن مأمورون بالتحلي بما يليق ببشريتنا من صفات الله تعالى، وصفات نبيه صلى الله عليه وسلم.
إذن فالنقد فن: وينبغي للناقد أن يجمع إلى قدرته الناقدة، صفات  اللطف، والرحمة، والحكمة  والرفق.
هذا من جانب الناقد
 
الثاني: من جانب المستقبِل للنقد: أني  تأملت في ما قرأت أكثر من مرة ما قيل من معاني الإخلاص في العمل أن يستوي عندك المدح والذم
لا يعني هذا القول ألا نقبل النقد، ولا أن نصاب بالعجب والتقديم لرأينا على رأي الغير. أبدا. إنما هو يخاطب جهة أخرى من جهات ردود افعالنا، وهي
جهة "الانفعال الشعوري" تجاه ما يأتي نحونا من الأفعال أو الأقوال.
 أضيف إلى هذا القول، قول كثيرا ما سمعت الدكتور محمد راتب النابلسي يكرره ولفت نظري أنه قال:(لا تستجدِ في عملك المدح، فكلما عملت عملا تسأل: كيف وجدته؟ ، وكأنك تستجدي المدح عليه!!) فأدهشني أن يرِد هذا المعنى في مثل هذا التساؤل، وصرت أخشاه :)
 
إذا تفكرت في هذين القولين، استطيع أن  أخلص إلى رأي أجده في نفسي، وهو أن النقد أو الصد أو التجاهل- من ضمن الدروس التي لا بد منها لكل منا، والتي -إن أحسنا التعامل النفسي معها- أمكننا استغلالها كتدريبات لتحقيق الإخلاص، وتصحيح النوايا في النفس.
 
فمثلا، قد تفعل ما تظنه خير ويأتيك الصد أو التجاهل أو النقد غير الرحيم، فيدفعك في أول الأمر للرغبة في الانقضاض أو الانكماش - حسب طبيعة
 شخصيتك- ثم تعود إلى نفسك، وتجدد نيتك في ذلك العمل، وتذكر نفسك أنك لم تكن تسعى لمدح- وإن كان المدح نعمة يشكر المادح عليها لأنها تفرح القلب والكلمة الطيبة صدقة- لكن الأمر في حقيقته بيد الله، فقلوب العباد وألسنتهم وجوارحهم بيده سبحانه، وهو الذي سخر الناقد لما ظهر منه، ثم إن الأنبياء - وهم أكرم الخلق عند الله تعالى - هم أكثر خلقه تعرضا للأذى والنقد والصد، وأكثرهم إخلاصا في العمل رغم ذلك كله، ولعل كل صد تعرضوا له كان اختبارا لقوتهم، أو تثبيتا لإخلاصهم وترقية لمراتبهم. فتعود إلى ما تظنه خيرا، وتثبت عليه متحليا بالحكمة والرفق واللطف في ذلك كله، فتكتسب - من خلال تلك التجربة المؤلمة - ترقيا في خُلُقك وثباتا في مشاعرك، فنفسيتك التي كانت تتأرجح في السابق ما بين مدح هذا وذم ذاك، باتت أكثر استقرارا وطمأنينة لارتباطها وتعلقها بعلم الله تعالى وعنايته وتربيته، ومشاعرك التي ارتبطط برضا الله تعالى استقلت عن سعيها لرضا فلان أو علان، إلا ما كان من ذلك كله لوجه الله وابتغاء لرضاه.
 
إن كنت ناقدا أو صادّا فتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (الكلمة الطيبة صدقة) وقوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)
 
وإن كنت متعرضا لنقد أو صد  فقل:
اللهم اجعل عملنا صالحا، ولوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيء.
اللهم نزّه قلوبنا عن التعلّق بما دونك، واجعلنا من قوم تحبهم ويحبونك.
 

ليست هناك تعليقات: