هذه مقالة أعتبرها إحدى روائع كاتبة مميزة في مجلة الاقتصادية الالكترونية. أحببت ان أعرف زوار هذه المدونة عليها، وأدعوهم لمتابعة مقالاتها على الموقع التالي:
حياتك بين المد والجزر
أعتقد - من وجهة نظري التي لا أفرضها على أحد - أن هناك مرحلتين رئيسيتين نمر بهما خلال رحلة نمونا الشخصي خلال وجودنا على هذه الأرض وهما: مرحلة المد للاستكشاف الخارجي ومرحلة الجزر للاعتكاف الداخلي.
حيث تبدأ مرحلة المد بالولادة والانطلاق نحو اكتشاف متطلبات العالم من حولنا ثم تكييف أنفسنا وفقا لتلك المتطلبات، فالدراسة وإيجاد الشريك المناسب وإنجاب الأطفال واعتناق قيم الزمان والمكان اللذين نعيش فيهما، والبحث عن عمل أو الشروع في مشرع خاص، وهذه المرحلة هي فصل خارجي في حياتك، أي أنك تعلم ما هو مأمول منك ثم تفعل ما يملى عليك من الخارج، وتتفاوت فترة استمرار تلك المرحلة من شخص إلى آخر حتى تبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية وهي الانعكاف للداخل وإعادة ترتيب الأوراق الداخلية، وهي مرحلة لا يحددها العالم الخارجي بقدر ما تتحدد من خلال حقائق تعلمتها وقناعات ظلت تتوحد بداخلك خلال مرحلة المد، فنركز حينها على تنمية المعاني الأرقى في شخصنا، وممارسة الأنشطة المثرية لذواتنا، والتركيز على الأشخاص الذين نحب صحبتهم فقط، ويقل انبهارنا بالأشياء التي كانت تثيرنا في الماضي، وقد تجد نفسك تنسحب تدريجيا مما اعتدت القيام به أو الاهتمام بأمره، فتختلق الأعذار لكيلا تذهب إلى الحفلة وتجلس لتنفرد بأفكارك أو لتتابع برنامجك المحبب في التلفزيون، وتبدأ في الاستمتاع بارتداء ملابس بسيطة مريحة ليست بتكلف وأناقة السابق، وتخفف من متابعة الأخبار بحثا عن أحاديث أكثر روحانية واهتمامات أكثر إنسانية.
لكن الذي يحدث أحيانا هو فشل البعض في العبور والانتقال للمرحلة الثانية لأخطاء وعقبات حدثت في المرحلة الأولى، حيث يظلون أسرى إخفاقات تلك المرحلة ويعزون فشلهم إلى المحن التي مروا بها أثناء طفولتهم، وتكمن الجاذبية في تزايد حركة أنصار مواساة الطفل الداخلي إلى أن الحياة مليئة بالانتكاسات، كأن ينبذنا الذين نحبهم، ونحصل على درجات سيئة أو لا نتمكن من الحصول على العمل الذي نرغب فيه، فنبحث عن المواساة ونحاول تفسير الحدث بطريقة لا تؤلمنا، وهي إلقاء اللوم على الآخر، وأننا كنا ضحية أشخاص وظروف، مما يخفف من الشعور بالذنب.
لكن رؤيتنا لأنفسنا كضحايا لأحداث الطفولة تؤدي إلى السلبية والإحباط وتجعلنا سجناء ماضينا، كما تمنعنا من الانتقال لمرحلة جديدة والبدء في بناء حياة جديدة، ويكمن العلاج في تحمل المسؤولية الشخصية والنظر للأمور نظرة مستقبلية، فليست التجارب الماضية سوى خبرات تمنحك فرصا أكبر في تغيير حياتك ونظرة أوسع في الرؤية، فما تم نسجه من قبل لا يحدد بقية النسيج بل النساج نفسه بما يتمتع به من حرية ومعرفة هو الذي يمكنه تصميم الآتي فيما بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق