نظرا لانشغالي بأولويات حياتي، ورغبتي في التفرغ للأهم منها، فإني أعتذر عن الاستمرار في الكتابة في المدونة، شاكرة كل من ساهم وشارك وقرأ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاثنين

فخلف من بعدهم خلف

وصلتني رسالة من أخت في تأمل لها في قوله تعالى:
 
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (59-60)
(سورة مريم)
 
تقول: "سبحان الله، أساس الغي والضياع والخسار يوم القيامة هو التقصير في الصلاة واتباع الشهوات، بل إن أصل التقصير في الصلاة نفسها هو في ترك النفس على ما تشتهي وعدم إرغامها وتعويدها الجد والعمل، والحياة الرغدة تساعد في ذلك، وأنه لا بد من بعض الحياة القاسية والعمل لكسب العيش وتحديد الاولويات حتى تعتاد النفس الجد وتترك الكسل وإلا هلكت."
 
فتذكرت قوله صلى الله عليه وسلم:(والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبسط عليكم الدنيا، كما بُسِطت على مَن كان من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم!)
وتذكرت درسا حضرته منذ يومين تحكي صاحبته عن أهل اليمن، وتعرض أحوالهم من الفقر والفاقة، وكيف أنه رغم تلك الظروف القاسية إلا أن الإيمان يعمر قلوبهم، والعجز عن وسائل اللهو وانعدامها وجّه شبابهم نحو كتاب الله حفظا وتعلما وتعليما.
 
ثم نظرت في تفسير الآية فوجدت من أقوال الصحابة والتابعين ما يلي:
قيل لابن مسعود: إن اللّه يكثر ذكر الصلاة في القرآن: {الذين هم عن صلاتهم ساهون}، و{على صلاتهم دائمون}، و{على صلاتهم يحافظون}، فقال ابن مسعود:  أي يحافظون على مواقيتها، قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك (أي كنا نظن أن المقصود هو ترك الصلاة وليس إضاعتها وإهمال أداءها في وقتها)، فقال: ذلك الكفر!(أي أن تركها بالكلية هو الكفر!).
 
 وقال مسروق: لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس فيكتب من الغافلين، وفي إفراطهن الهلكة؛ وإفراطهن هو إضاعتهن عن وقتهن.
 
وقال كعب الأحبار: واللّه إني لأجد صفة المنافقين في كتاب اللّه عزَّ وجلَّ: شرَّابين للقهوات، ترَّاكين للصلوات، لعَّابين بالكعبات، رقَّادين على العتمات، مفرطين في الغدوات، تراكين للجماعات، قال، ثم تلا هذه الآية: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}
وقد ذكرنا الله تعالى في أكثر من موضع في القرآن، لعل أظهرها قوله تعالى: {ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر} فإن طريق اتباع الشهوات لا نهاية له، والنفس تظل تطلب التكاثر والتجديد والتنويع والتغيير من أسباب الدنيا، حتى يباغتها الموت، وتدخل القبر، ويظهر لها الحق، ولا تنفعها الحسرة ولا الندم.
 
لكنه - سبحانه - كريم ولطيف ورفيق بعباده، يعلم عجزهم وضعفهم، فيعاملهم بالترغيب بعد الترهيب، ولا يقطع عنهم باب الأمل، ولا يأيسهم من التوبة وحسن العمل، فيتبع الآية مباشرة بقوله:
{إلا من تاب وآمن وعمل صالحا} أي إلا من رجع عن إضاعة الصلوات واتباع الشهوات، فإن اللّه يقبل توبته ويحسن عاقبته ويجعله من ورثة جنة النعيم، ولهذا قال: {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا} ذلك لأنَّ التوبة تَجُبُّ ما قبلها. وفي الحديث:(التائب من الذنب كمن لا ذنب له).
 
جزى الله أخيتي على خاطرتها التي فتحت لي باب بحث وفهم لكتاب الله، وللطبيعة البشرية.
وليس لنا في خلفنا وذريتنا إلا الدعاء تأسيا بسيدنا إبراهيم عليه السلام:
 رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

جزاك الله خير
الله يهديك لصراطه المستقيم الى يوم لقائه
ويثبتك على المنهج الصحيح اينما كان
ويحفظك من الفتن ما ظهر منها وما بطن
ويبعدك عن كل باطل
لك ولجميع المسلمين
اللهم امين

غير معرف يقول...

جزاك لله خير ... احتاج قراءة موضوعك