نظرا لانشغالي بأولويات حياتي، ورغبتي في التفرغ للأهم منها، فإني أعتذر عن الاستمرار في الكتابة في المدونة، شاكرة كل من ساهم وشارك وقرأ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأربعاء

بيوتنا

يشرفني أن أساهم بهذه المقالة في مدونتي

بيوتنا
بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه....
      يبدو ان القران الكريم يتدرج معنا في بعض آياته بحسب مراحلنا العمرية، كنت وانا صبية أقرأ الآية الكريمة التالية من سورة الكهف ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا) فأجدها تحكي عن حال الكفار، ثم تأملت فيها بعد سنوات من دراستي لعلوم الشريعة فوجدتها تحكي حال المبتدعة ومن انحرف عن الصراط المستقيم، وبعد عقد من الزمان لما ميزت مقدارغلبة الهوى على صاحبه وانقياده الاعمى خلفه لم أجد خيرا من الآية الكريمة لوصف حاله.
 
وها أنا اليوم بعد عقد آخر أراها تحكي حالا غريبا لم يخطر لي ببال قط! ففي الوقت الذي نباهي به بهذه البيوت الفاخرة التي نسكنها غاب عنا مقدار الوقت والجهد الذي تسرقه منا لأجل الاعتناء بها!! صار تزويق هذه البيوت والاهتمام بتزيينها شغلنا الشاغل، وبدلا من ان تكون منشأة لخدمتنا وراحتنا صرنا على العكس من ذلك نحن الذين نخدمها ونجهد من أجل الحفاظ على رونقها وأبهتها!! فنحن نجول الأسواق ساعات وربما اياما في انتقاء قطعة من الكماليات تساهم في عملية التزيين لا تستحق منا كل ذلك الوقت، ولا كل ذاك العناء، كالبحث عن مقبض باب مناسب او لون جدران يساير أحدث طراز، وليت الامر اقتصر على مجرد الجهد البدني، بل الجهد الذهني الذي يرافق كل ذلك أشد منه، ثم لا تسل عن الندم والألم اللذان يعقبان كل ذلك اذا ما جاء الاختيار خائبا وغير موفق!!   
   
من جهتهم المهندسون والبنائون وأصحاب المحال التجارية  لم يألوا جهدا في المساهمة في عنائنا ودفعنا أكثر وأكثر لنكون سخرة في خدمة هذه البيوت التي صارت وبالا علينا، فراحوا يتفننون في ابتكار المزيد والمزيد من الأفكار، والتصاميم، والألوان التي تزيد في انشغالنا الذهني وعنائنا الجسدي، والأهم من كل ذلك بالنسبة لهم استنزاف جيوبنا.. فمثلا بعد أن كانت البيوت قديما تبنى بأسقف الاسمنت العادية صار ولابد من الأسقف الجبسية المزخرفة بألف شكل ولون، وبعد ان كانت الاضاءة مقصورة على سلك وحيد يتدلى من السقف، بات السقف يأن من حمل انواعا عدة من المصابيح ويبدو ان الحمل كان كبيرا على السقف المسكين فرأينا ان تشاركه الجدران في حمل المزيد من الاضاءة، وهكذا مضى أولئك ونحن في أثرهم نفتش في كل زاوية من زوايا بيوتنا ونسرف في تزويقها، وبعد مرحلة البناء المرهقة جسديا وفكريا تأتي مرحلة التأثيث وهلم جرا!!
  
ظننا لسذاجتنا اننا بعد انتهاء مرحلة التأثيث سننال قسطا من الراحة فإذا بنا نفاجئ بمرحلةلاحقة هي مرحلة الصيانة والمحافظة على تلك البيوت في تلك الصورة البهية حتى آخر العمر!! وهكذا ودعنا باختيارنا تلك البيوت البسيطة التي كانت لا تحتاج الا القليل من الجهد والتكلفة لنحصل على هذه البيوت التي استنزفت جهدنا وجيوبنا، وكأننا لم نكتف بما في الحياة الحديثة من تعقيد فزدناها تعقيدا!!
  انها الدنيا التي احتالت علينا فأوقعتنا في شباكها دون ان نشعر!! ألم أقل لكم ان الآية الكريمة تحكي حالنا؟؟ أليس كل ذلك الاهتمام والعناء والانشغال الذهني على حساب علاقتنا بربنا؟ فكل لحظة استغراق وانشاغل في الدنيا مقابلها لحظة استغراق وانشغال عن الآخرة ، ولا عجب ان كثرت الشكوى من عدم الخشوع في الصلاة اليوم والتقاعس عن الطاعات، فدنيانا تستعبدنا حتى النخاع، وحتى نكون منصفين لا نبرأ النفس أيضا التي تطمع دائما في المزيد ولا تقنع وقد جاء في الأثر
:" ابن آدم عندك ما يكفيك، وانت تطلب ما يطغيك، ابن آدم لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع، ابن آدم اذا أصبحت معافى في جسدك، آمنا في سربك عندك قوت يومك، فعلى الدنيا العفاء".          
                                                                                                                                               
سعاد الولايتي


هناك تعليق واحد:

ibnalsor يقول...

التكلف عملية شاقة على النفس
فانت تضيف امرا لست بحاجة اليه
والله سبحانه يقول
ان الله لا يكلف نفسا الا وسعها
فعندما نتكلف في صناعة التحية
وفي صناعة المجاملات
فاننا نرهق انفسنا في امر
لم نؤمر ولم نكلف به
والوسطية في مثل هذه الامرو
من الاشياء المحببة للنفس
فترد التحية باحسن منها
لكن دون تكلف او تصنع
وتقوم بخدمة من يحتاج اليك
دون تكلف او تصنع او ارهاق للنفس
يقول الله سبحانه لنبيه موسى عليه السلام
(( اذهب لفرعون انه طغى فقل له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى ))
القول اللين ليس تكلفا ولا تصنعا
وانما هو قول به رقة وبه محبة
لعل هذا يقود فرعون للرأفة والتذكر
والخوف من الله سبحانه ..
ونلاحظ بان الله سبحانه جلت قدرته
وصف فرعون بالطاغيه
ومع هذا فانه قال
لعله يتذكر او يخشى
وهو اعلم سبحانه
انه لن يتذكر ولن يخشى
فالقول اللين لا يفهمه الا من يحمل قلبا
مفعما بالحب والمشاعر الجميلة
وجاء رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال له ( اانت الرجل المجنون الذين يتحدثون عنه )) فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم يد الرجل وقال له ( الحمدلله الذي هدانا لهذا وماكنا نهتدي لولا ان هدانا الله )) فارتج الرجل وقال
والله مايقول هذا الكلام مجنون ماهو دينك
فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فامن واسلم ..
لم يتكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في التقرب اليه ولم يتصنع المحبه له ولكنه قال له قولا لينه لعله يتذكر او يخشى
فتذكر الرجل وخشى
وجاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرك امامه عظما باليا وقال له
يامحمد ايعيد ربك هذا العظم البالي الى الحياة فرد عليه رب العالمين جلت قدرته وتعالى اسمه .. فقال سبحانه
وضرب لنا
انظري كيف بدأ الاية
وضرب لنا
هذا العبد ضرب لنا المثل
ونحن من خلقه ونحن من خلق الاكوان
ونحن ان اردنا شيئا انما نقول له كن فيكون ..
يقول الله سبحانه
فضرب لنا مثلا ونسى خلقه
انظري
كيف قال رب العالمين لهذا العبد
ونسى خلفه
قدم له العذر
على انه نسيان
لم يعاتبه ولم يسيء اليه بلفظ يجرحه
وانما قال سبحانه
ونسى خلقه
يقول الله سبحانه
وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحيها الذي انشأها اول مره وهو بكل خلق عليم
هذه الاية الكريمة العظيمة الرقيقة
المفعمة بالحب والمشاعر الجميلة اتجاه العباد تعطينا دليلا اخر على كلام هذه البنت ..
ان الله سبحانه لم يخاطب هذا العبد بالتكلف والزيادة
وانما خاطبه بالرقة والمشاعر الجميلة
لعله يتذكر او يخشى
جميل ماكتبت هذه البنت
ورائع ماقرأنا
انطلقي ..
فسنكون معك ومع حرفك
دائما .. ان شاء الله