مقتطف من مقالة: بعد الخمسين: للشيخ علي الطنطاوي.
ملذات الدنيا سراب، إنها لا تلذ إلا من بعيد!
ملذات الدنيا سراب، إنها لا تلذ إلا من بعيد!
الشاعر العاشق يملأ الدنيا قصائد تفيض بالشعور، يعلن أنه لا يريد من الحبيبة إلا لذة النظر ومتعة الحديث، فإذا بلغهما لم يجدهما شيئا وطلب ما وراءهما، ثم أراد الزواج فإذا تم لم يجد فيه ما كان يتخيل من النعيم، ولذابت صور الخيال تحت شمس الواقع كما يذوب ثلج الشتاء تحت شمس الربيع، ولرأى المجنون في ليلى امرأة كالنساء، ثم لملّها وزهد فيها وذهب يجن بغيرها!
والمرء في الدنيا يسعى إلى شيء لا يبلغه أبدا، لأنه لا يسعى إليه ليقف عنده ويقنع به، بل ليجاوزه راكضا يريد غاية هي صورة في ذهنه ما لها في الأرض من وجود.
وقد يعطى المال، والجاه، والصحة، والأهل والولد، ثم تجده يشكو فراغا في النفس، وهمّا خفيا في القلب، لا يعرف له سببا، يحس أن شيئا ينقصه ولا يدري ما هو!
لقد أجاب على ذلك رجل واحد، بلغ في هذه الدنيا أعلى مرتبة يطمح إليها رجل، ثم قال:"إن لي نفسا توّاقة، ما أعطيت شيئا إلا تاقت إلى ما هو أكبر، تمنت الإمارة، فلما أعطتها تاقت إلى الخلافة، فلما بلغتها تاقت إلى الجنة"!
لقد أجاب على ذلك رجل واحد، بلغ في هذه الدنيا أعلى مرتبة يطمح إليها رجل، ثم قال:"إن لي نفسا توّاقة، ما أعطيت شيئا إلا تاقت إلى ما هو أكبر، تمنت الإمارة، فلما أعطتها تاقت إلى الخلافة، فلما بلغتها تاقت إلى الجنة"!
هذا ما تطلبه كل نفس...إنها تطلب العودة إلى موطنها الأول، وهذا ما تحس الرغبة الخفية أبدا فيه، والحنين إليه، والفراغ الموحش إن لم تجده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق