نظرا لانشغالي بأولويات حياتي، ورغبتي في التفرغ للأهم منها، فإني أعتذر عن الاستمرار في الكتابة في المدونة، شاكرة كل من ساهم وشارك وقرأ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجمعة

عولمة العرب

أهدتني بالأمس الأخت أسماء هيتو كتاب من تراث العرب قامت بتحقيقه والتعليق عليه خدمة للغة القرآن وأدب العرب، مهد الرسالة.
هو شرح وتحقيق لأحد شروح لامية العرب للشاعر الجاهلي الملقب بالشّنفرى (باللألف المقصورة وتنطق شنفرا). واللامية هي التي تختم قافيتها بحرف اللام.
من خلال الاطلاع على المقدمة عرفت أن لامية العرب تعتبر من اشهر اللاميات في الشعر وأقدمها، فمؤلفها توفي سنة 70 قبل الهجرة أو 525 م، ولكنها حوت من القيمة ما جعل الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيها: (علّموا أولادكم لامية العرب، فإنما تعلمونهم مكارم الأخلاق).
أما شارحها فأديب من الهند، العلامة السيّد إبراهيم الرضوي، تعود أصوله إلى سيدنا الحسن بن علي رضى الله عنه، متوفى عام 1377هـ رحمة الله عليه.

اطلعت عليها، فوجدتها سبع وستون بيتا من الشّعر بالكاد أفهم منها بيت أو بيتين بلا استعانة بالشرح! فقلت في نفسي: "هذا ما بلغ بأهل القرآن وشعب الجزيرة من حال"... وعزمت أن اجعل لنفسي وردا يوميا من بيت أو بيتين أقرأهما لأتعرف على مكارم الأخلاق، وآخذ بنصيحة سيدي الفاروق رضى الله عنه، فالشرح جميل وسلس وخفيف ويسير على أمثالي ممن يؤثر الاختصار. وأعجبني منها البيت الذي فهمته وهو القائل فيه:
وإذا مُدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجلُ
ثم إن صديقتي ختمتها مشكورة بذكر لامية العجم، والتي كتبها شاعر من بلاد العجم اسمه الطغرائي مضاهيا بها لامية العجم في الحكم والأمثال، وحسبك في عظمة الشيء أن يأتي من يضاهيه، أعجبتني كثيرا ووجدتها على مستوى فهمي، ولفت نظري بها البيت القائل:
ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني حتى أرى دولة الأوغاد والسّفل
والبيت القائل:
أعلل النفس بالآمال، أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

ثم أتبعتها بلامية الدّكن، وكاتبها الأديب الشارح، العلامة السيّد إبراهيم الرضوي، وختمت بلامية الصّفدي التي يضاهي بها لامية الطغرائي، وأعجبني منها الكثير، يكفيني أنه يستهلها بقوله:
الجدُّ في الجدّ والحرمانُ في الكسل فانصَب تُصِب عن قريبٍ غاية الأملِ
واصبر على كل ما يأتي الزمانُ به صبرَ الحُسام بكفِّ الدّارِعِ البطلِ
وجانْب الحِرصَ واللأطماع، تحظ بما ترجو من العزّ والتأييد في عجَلِ
ولا تكونن على ما فات دا حَزَنٍ ولا تظلَّ بما أوتيتَ ذا جذَلِ

قصيدة... كتبها شاعر جاهلي، وامتدحها خليفة مسلم، وشرحها أديب من الهند، وعلّقت عليها أديبة من الشام...
تلك هي عولمة العرب!

ليست هناك تعليقات: