نظرا لانشغالي بأولويات حياتي، ورغبتي في التفرغ للأهم منها، فإني أعتذر عن الاستمرار في الكتابة في المدونة، شاكرة كل من ساهم وشارك وقرأ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السبت

تأمل: رسائل ربانية، أم عوائد طبيعية؟

كثيرا ما يمر الواحد منا في مواقف يستشعر فيها وكأن فيها رسائل معينة له، أو معيّة خاصة، أو لطف من الله أنقذه في وقت أزمة، أو تأديب جاء بعد مخالفة، أو لفت نظره لحكمة الخ.
نحن المسلمون نفسّرها على أنها رسائل ربانية، يربينا فيها الله تعالى، كما تربي الأم أبناءها، باللّطف تارة وبالشدة تارة أخرى...
 
وقد كنت في جلسة مع أخت لي نتحاور فيما نستشعره أحيانا من هذه التفقّدات الربانية وتفسيرها، ثم توقفنا عند تساؤل؛ إن هذه الرسائل التي نعتبرها نحن تربية ربانية ترِد علينا - نحن المسلمين - وعلى غيرنا من غير المسلمين، بل وعلى من لا يعتقد بدين. فمنهم من يفسرها بقانون الجذب، ومنهم من يفسرها برقي روحاني توصل إليه من خلال مجاهدات ورياضات روحية معينة كاليوغا والتأمل وعلوم الطاقة والريكي الخ، ومنهم من يعتبرها من قبيل الحدس القوي، بل ومنهم من يعتبرها قوانين كونية في الطبيعة لازمة وحتمية كلزوم الليل والنهار والصيف والشتاء، فنراهم يقولون لأهل الدين: "أنتم تفسرون كل شيء باسم الدين.. إذا تصادف حدوث أمر نادر فسّره أحدكم أنه معجزة، إذا جاءت كارثة طبيعية فسرتموها على أنها عقوبة أو تأديب رباني، إذا جاءت نعمة قلتم هي تكريم من الله، لكنها مجرد طبيعة الحياة، وإنما الأيام دوَل: يوم لك ويوم عليك!"
 
فتساءلنا: "ترى أهي كما يقول أهل الطبيعة والصدفة، أو كما يقول أهل المجاهدات والرياضات الروحية البحتة أو غيرهم من أهل التفسيرات المختلفة؟ هل نحن نحمّل الدين ما هو غير مختص بأهله؟"
 
وكنت أقرأ اليوم في سورة الأعراف، فإذا بي أقف عند آيات أحب أن أفسرها بأنها "إجابة ربانية" لي ولأخيتي على تساؤلنا السابق.
يقول الله تعالى:
 
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ﴿٩٤﴾ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٩٥﴾
 
تفسيرها: وما أرسلنا في قرية من نبي فكذبه أهلها إلا عاقبنا أهلها وأدّبناهم بالبؤس والفقر والمرض وسوء الحال تارة، لعلم يرجعون عن غيّهم ويخضعون ويتضرعون إلى الله تعالى ويتوبوا من ذنوبهم، ثم - إن لم ينفع ذلك معهم أدبناهم بالخير والسعة والغنى والصحة لعلهم يكونوا من الشاكرين، ولكن أبطرتهم تلك النعمة، ولم يفهموها أنها رسائل وتربية ربانية، بل قالوا كفرانا لها: هذه عادة الدهر، وقد مس آباءنا مثل ذلك من المصائب ومن الرّخاء وليست هي تنبيهات من الله، فكانت العاقبة أن جاءهم الهلاك فجاة من حيث لا يدرون... وهذا الهلاك قد يأتي على شكل إهلاك جماعي مفاجيء فيما يسمى بكوارث طبيعية، وقد يكون الهلاك بكل بساطة بأن يترك الله الإنسان على غيّه ويهمله حتى يموت على ذلك ويحشر على عماه، كما يترك الطبيب علاج المريض الميئوس من حاله حتى يموت، وحينها يتساءل:
 
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴿١٢٤﴾ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ﴿١٢٥﴾ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ ﴿١٢٦﴾ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ ﴿١٢٧﴾ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ ﴿١٢٨﴾
 
وأنوه بأن المصائب ليست كلها عقوبة، بل منها ما هو ابتلاء ورفع درجة، بل قد تأتي الكارثة الواحدة على قوم فتكون لبعضهم عقاب، وللبعض ثواب!! كما أن من الرخاء والنعم ما هو استدراج وعقوبة، وكل انسان يقيّم نفسه ويحاسبها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، كما قال صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة حين تساءلت كيف يخسف بالناس وفيهم من ليس منهم، فقال لها:يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم. متفق عليه
 
تأملت في تلك الآيات وقلت في نفسي: تلك هي شبهات المنكرين لا تتغيّر ولا تتبدل على مرّ العصور، بل تتكرر وتتجدد، ثم قلت: سبحانك ربي ما تركت شبهة إلا ورحمتنا بالرد عليها والإجابة عنها رحمة بنا وشفقة علينا من الضلال والشتات بين أقوال بني البشر وتاويلاتهم وشبهاتهم.
 
 رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿٧﴾
 

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

السلام عليكم

اختي بارك الله فيج

كلامج يثلج صدري كل ماضاقت فيني الوسيعه ادخل بلوقج اقرى اول مره اعلق على موضوع من مواضيعج امس امس حسيت بلطف الله ورحمته فيني اختي لاتحرميني من مواضيعج وعسى ربي يكثر من امثالج نصحيني بكتب اقراها احتاج لتقويه ايماني انا ضعيفه والشيطان مسيطر علييي لاتخلين عني!!

غير معرف يقول...

أختي العزيزة،
جزاك الله خيرا على حسن ظنك وطيب رأيك بكتاباتي، وأرجو أن تراسليني على بريدي مباشرة كي أتعرف على ذوقك في القراءة فأعرف أنصحك بما يناسبك من كتب.
almuhim@gmail.com
والسلام عليكم ورحمة الله.
مها