تأملت في الكعبة، فوجدت الله تعالى اختار ليكون بيته ليس في أجمل ولا أبهى بقاعه، بل اختار له أن يكون في "واد غير ذي زرع"... والكعبة هي "بيت الله" وقبلة المقبل عليه،فمن اختار أن يكون "الله" في قلبه، فليجعل أرض قلبه كأرض بيت الله... "واد غير ذي زرع"... واد يتلقى،ولا ينبت فيه سوى حب الله وما والاه.
*****
ومن نظر إلى حقيقة "بيت الله"، لم يجده أكثر من مكعب من حجر، هو أطيب، ولكن أبسط حجر، بلا زخرف ولا نقش. أما ما يزينه من كسوة وبناء ومسجد وزخرف، فهو، وإن كان تكريما وتعظيما لشرفه، لكنه يظل الظرف والشرف للمظروف!
قلب المؤمن هو "بيت الله" ومحل نظره، فليحرص على تجريده من زينة الدنيا وتبسيطه من المتعلقات، ومهما اعتنى بتزيين جسده وظاهره،فذلك انما هو الظرف، ويظل الشرف للمظروف، على تجرده!
*********
يقول الإمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" مخاطبا من أراد التوجه لبيت الله في حج أو عمرة: (اعلم أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتنزه عن الشهوات والكف عن اللذات، والاقتصار على الضرورات فيها، والتجرد لله سبحانه في جميع الحركات والسكنات.
*********
أثبت علم الفيزياء أن لكل شي في الكون طاقة يبثها فيما حوله.
جلست في "مركز الكون" أتأمل بيت الله، فهو - على تجرده- لا بد وأن يكون مركز الطاقة في هذا الكون،ومن اقترب منه اقترب من المصدر والمنبع، ثم تذكرت ما قرأت في الأثر من أن من نظر الى الكعبة كان له كذا وكذا من الأجر،فعرفت أن الله ما أمرنا بالطواف حول الكعبة وإدامة النظر إليها إلا لنستقي "طاقة الحياة" من نبعها...فجعلت جل عبادتي في رحلتي هذه القرب، والطواف، والنظر، وجلست أتخيل وأستشعر تلك "الطاقة الإلهية" تتغلغل في أحشائي تملؤها بالوقود الذي يغذيها حتى لقائها القادم.
*******
ويقول الإمام الغزالي في إحيائه مخاطبا من ينظر إلى البيت: (فيبنغي أن يحضر عنده عظمة البيت في القلب، ويقدر كأنه مشاهد لرب البيت لشده تعظيمه إياه، وارج أن يرزقك الله تعالى النظر إلى وجهه الكريم كما رزقك النظر إلى بيته العظيم.
*******
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليقان (2):
عذرا لتفاعلي مع الموضوع و لأن الكعبة هي نقطة ضعفي و أمنيتي زيارتها و بمناسبة هذه الخاطرة للإخت مها أحب أن أذكر هذه القصيدة و التي كتبها الشيخ أبو المعاطي - ذات مرة عندما كان بعض أصحابه ذاهبين إلى الحج ، وكان يودعهم ، وفجأه يقول :
يا راحلين خذوا نفسي تودعكم ثم اتركوني قليلا أنتشي معكم
فأنا المحبُّ وقد بعدت حبيبته فلترحموني عسى الرحمن يرحمكم
قد مزق الشوقُ أحشائي ومزقني فلتسألوا البيت كم أحببت يخبركم
وكم تساقط دمعي وَالِهًا لهفا واليوم سرتم وسار القلب يتبعكم
يبكي وليس البكا حزنا على ذهبٍ أو أن ليلى مع العير التي معكم
بل دمعه . عشقه. قد صار في حجرٍ أحلى من الشهد إن ذاق الهوى فمكم
في جانب البيت عند الباب موقعه فلتسرعوا المشي قلبي سوف يسبقكم
فلتذهب الآن ليلى نحو مغربها أو ترحل اليوم سُعدى فالحنين لكم
فلقد تركت هناك القلب معتكفاً والنفس صارت تنادى اليوم صحبتكم
فإذا لقيتم غريباً فى منىً وَِلهاً عند الجمار فلا ترموه جمرتكم
يبكي على عمره قد ضاع مغترباً فلتعذروه فإن الله يعذركم
أنا أبدي اعجابي بهذي المدونة وفعلاً أثناء تنقلي بين كلمات الصفحة الأولى منها أستمتعت بشذا منبعه الطهر يفوح من جنباتها.
بيت الله بقعة فيها تهدأ النفوس وتطمئن القلوب وتتجدد منها النوايا لتوجيه وتقويم خطة الرحلة لـ الله تعالى حيث الخلود في النعيم الأبدي بالسعادة الحقيقية.
الله يرزقنا وياكم شوفة بيته مرات ومرات عديدة
أسعد بإضافة عنوان هالمدونة عندي, شكراً
إرسال تعليق