إن سجل الكشف الذاتي للمسلم ومحاسبة النفس يجب أن يتصدّر جدول أولوياته في الحياة، لكي يضمن استقامته على مساره الذي اختاره منهجا لحياته، ولا ينجرف بعيدا عنه وهو لا يشعر مع تتابع الأيام وتجدد الشواغل.
ولا ميزان أثبت وأوثق لقياس النفس من ميزان أسماء الله الحسنى، وكلما إزداد المسلم تعلقا بأسماء ذات الله تعالى، وتخلقا بأسماء ضفاته الحسنى، أثمر فعله وقوله عما هو أقرب لله عز وجل، وأتقى، فهو ((الرقيب)) الذي لا يغفل عنك، وهو ((الرحمن الرحيم)) ((العزيز)) ((الغفور)) الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير.
وهو ((النور)) ((الهادي)) الذي يهدينا عن طريق كتابه وسنة رسوله إلى نور الحقيقة وسمو الغاية والاتجاه الصحيح.
فسجل محاسبة النفس أو الكشف الدوري الذاتي يجب أن يتصدر رأس صفحته الأولى قول الله تعالى:
{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}
وما عليه إلا أن يقوم بعدها بتدوين جدول بأسماء الله الحسنى، ويقيّم نفسه على أساس مدى تفاعله وتعلقه وتخلقه بكل اسم منها، ولن يتمكّن من ذلك إلا بالتعرّف على أسماءه تعالى الحسنى من خلال قراءتها وتعويد النفس على التفاعل معها، وأفضل نموذج له ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ملاحظة يمكنك زيارة موقع الدكتور راتب النابلسي للتعرف على أسماء الله الحسنى:
http://www.nabulsi.com/text/02akida/3names/asmaa1.php
مثال:
انظر إلى مسار حياتك في السنة الماضية، أو الشهر الماضي مثلا، فإن وجدت أنك لم تحصل على تحقق شيء في الاتجاه الذي تراه لنفسك، فمعنى هذا أنك لم تتحر الرشد ول تعقل الأمور بحكمة، فأنت بحاجة لأن تزيد من صلتك ب((الرشيد))، ((الحكيم))،((العليم))، ((الخبير))، ((الواسع))
وإذا تبيّن لك أن الخلل في مسار حياتك كان بسبب خور عزيمتك وضعف مقاومتك أمام ما يستثيرك من مغريات؛ فما عليك إلا أن تحكم صلتك ب((القوي))، ((المتين))ن ((المهيمن)).
وإن لم تلق بالا إلى جمال الطبيعة ورونق نظامها، وكنت من المشاركين في خرابها فمعنى هذا أنك فقدت الصلة ب((البديع))، ((فاطر)) السموات والأرض.
أما إذا وجدت في سجل كشفك أن التوتر والشحناء يسود علاقاتك الأسرية والاجتماعية؛ فإن هذا يعني أنك لم تصل بعد إلى روعة الصلة ب((الرؤوف))، ((الحليم))، ((الرحيم))، ((السلام))، ((المؤمن))، ((البر))، ((الكريم))، ((الودود)).
وإذا ما كان استثمارك لنعم الله التي لا تعد ولا تحصى غير واف، فإن هذا مؤشر على هشاشة الصلة ب((الحميد))، ((الشكور)).
وإذا ما حال اليأس والعجز والكسل دون تحقيق هدف تفخر به، فزد من تخلّقك ب((الباعث))، ((الصبور))،
إذا كنت ممن لا يرى جدوى في عملية مكاشفة الذات فابدأ جدول أسماء الله الحسنى باسم: ((المحصي))، ((المُقيت)) ((الحسيب)).
وإذا كنت من هواة البحث عما وراء الطبيعة فيكفيك أن تدرك أن الله ((أحد))، ((صمد))، ليس كمثله شيء، وأنه {هو الخالق الباريء المصوّر، له الأسماء الحسنى، يسبّح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم}
هذا غيض من فيض الأثر الذي يخلقه التعلق بصفات الجلال والتخلق بصفات الجمال في أسماء الله الحسنى، ولا غرابة أن يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أحصاها تعلّقا وتخلّقا، بدخول الجنة.
مقتبس من كتاب: حمى الاستهلاك، لسحر سهيل المهايني العظم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق